الطبيعة السكانية (Human Terrain System)
كان هدف هذا المشروع جمع معلومات عن الخارطة السكانية للمكونات المجتمعية والقبائل، والبحث في الفوارق المجتمعية والمشاكل التي تواجههم باستخدام اكادميين مختصين بمختلف العلوم ابرزها الانثروبولوجيا (علم الانسان). ثم يتم تحليل البيانات والمعلومات من قبل الفريق نفسه للخروج بارشادات ونصائح تخدم القوات الأمريكية
وقد قامت الفرق المختصة العاملة في هذا المشروع بدراسة الثقافات والمعتقدات والموروثات وفهم طبيعة المجتمعات التي تسيطر عليها القوات الامريكية آنذاك, لتسهيل عملية السيطرة على تلك المجتمعات وبالتالي تقليل الخسائر الناجمة عن العمليات العسكرية ضد هذه القوات وايضا لبناء الثقة والتعاون بين القوات الامريكية وتلك المجتمعات, او لشق وتشتيت انتباهها للوجود العسكري الامريكي على
اراضيها
وبناءً على دراسات وتحليلات فريق هذا المشروع في العراق, قام الجيش الامريكي بانشاء الصحوات والتي كانت تقاتل بالنيابة عنه وتحت اشرافه بشكل مباشر, حيث استفاد الجيش الامريكي من تسخير هذا العلم لانشاء مايسمى بالضد النوعي. كان للصحوات الفضل
الكبير في تقليل الخسائر في صفوف الجيش الامريكي الناجمة عن العمليات العسكرية المقاومة لوجوده
في مقاله المنشور في موقع كاونر بانج, يقول الكاتب روبرت جي غونزالس, رئيس قسم الانثروبولوجيا بجامعة سانت خوسي الامريكية, ان الجنرال ديفيد بترايوس, والذي كان قائد القوات الامريكية في العراق, كان مؤيدا قويا لذلك المشروع. اعتمد بترايوس استراتيجية غير اعتيادية تعتمد على كسب السكان المحليين من خلال التفاعل معهم ودفع الاموال لزعماء القبائل مقابل الحصول على الدعم السياسي. وأصبح هذا النهج "المرتكز على السكان" معروفًا بعقيدة بترايوس. وقد رحب به بعض ضباط الجيش الامريكي وأعجب به الكثير من المسؤولين في البنتاغون, ولا سيما وزير الدفاع في ذلك الوقت، روبرت غيتس
كان بترايوس يحيط نفسه بفريق من المستشارين الحاصلين على درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية و السياسية والتاريخ العاملين على مشرروع نظام التضاريس البشرية. وتقبل الكثير من القادة الكبار الاستراتيجية الجديدة بمجرد تأسيسها, فقد كان مجرد انتقاد هذا المشروع او اختيار طريقة اخرى "لمكافحة التمرد" يعد امرا سلبيا وخطوة سيئة لتحقيق طموحات بعض الضباط الذين كانوا يسعون إلى تحسين حياتهم المهنية
وعلى الرغم من ان الكثير من أعضاء الكونغرس قد اعجبهم المشروع الجديد, لأنه بدا ناجحاً على الأقل في العراق, الا ان هذا المشروع واجه سلسلة من الانتقادات لكونه ينطوي على مخاطر وسلببيات كثيرة. فقد كانت هنالك حملات منظمة مناهضة للمشروع من قبل مجموعة من علماء الأنثروبولوجيا الامريكيين. فبعد اقل من عام على اطلاق المشروع, أصدرت الجمعية الأمريكية للأنتروبولوجيا بيانًا صارمًا أعربت فيه عن عدم موافقتها على هذا المشروع. ونجحت الجمعية في جمع تواقيع أكثر من الف عالم في الأنثروبولوجيا والذين تعهدوا بتجنب العمل في مجال "مكافحة التمرد"
وفي عام 2014, تم ايقاف هذا المشروع بشكل مفاجئ وتسريح العاملين فيه واغلاق الموقع الرسمي الخاص به دون اي توضيح للاسباب من قبل وزارة الدفاع الامريكية, على الرغم من استمرارالتواجد العسكري الاميركي في العراق وافغانستان
وبالرغم من ان نظام التضاريس البشرية او معرفة الطبيعة السكانية قد تم ايقافة وتسريح العاملين فيه, الا ان هنالك تحركات جديدة تهدف
الى اعادة احياء هذا المشروع، ولكن بحلة جديدة وباهداف مغايرة بعض الشيء
فقد علمت هيئة العلاقات الدولية- العراق, انه تم تشكيل فرق جديدة, وبشكل سري، من علماء واكاديميين متخصصين بالعلوم الاجتماعية والأنتروبولوجيا لجمع معلومات عن الذين شاركوا في مقاومة الاحتلال الامريكي للعراق، او من يشتبه بصلته بالمقاومة لهذا الاحتلال، سواء كانت مقاومة بالسلاح او بالسان او بالقلم
تحاول هذه الفرق الجديدة من الباحثين وبطرق عدة, منها دفع الاموال او الابتزاز, بجمع المعلومات من المهاجرين والاجئين العراقيين في شتى انحاء العالم، ومن ثم تحليل هذه المعلومات والنظر في كيفية التعامل مع المقاومين او الرافضين للاحتلال الامريكي ومشروعه وافرازاته, سواء كانوا يعيشون داخل العراق او خارجه. وبعد جمع المعلومات الكافية وتحليلها, تقوم هذه الفرق برفع التوصيات الى الجهات العليا المختصة وتقدم النصائح عن كيفية التعامل معهم
ان فشل هذا المشروع الجديد لن يكون الا مسألة وقت. فالنظام القديم الذي تبناه بترايوس كان فاشلا بكل المقاييس, على الرغم من تحقيق بعض الانجازات والتي ثبت فشلها على المدى البعيد. والذين تعاونوا مع القوات الامريكية بالعراق وعملوا في اطار هذا النظام اصبحوا مطاردين ومستهدفين بعد رحيل هذه القوات او بعد تمركز جزء منها في قواعد محددة داخل هذا البلد. وبدون ادنى شك, سينطبق ذلك على هذا المشروع الجديد وعلى العاملين والمتعاونيين معه